تقنية

تقليص القوات الأمريكية بأوروبا.. استراتيجية التوازن بين الأمن والمخاطر


مع إصرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تحمل أوروبا مسؤولية أمنها، باتت إعادة تقييم الانتشار العسكري الأمريكي على رأس أولويات إدارته.

ويعتبر تقليص القوات الأمريكية في أوروبا أحد القرارات الحاسمة التي يسعى البيت الأبيض إلى تنفيذها، لكن هذا القرار لا يخلو من المخاطر التي قد تؤثر على الاستقرار الأمني في القارة الأوروبية، وفق تحليل لـ«فورين بوليسي».

من ناحية، يشير مسؤولو الإدارة إلى أن خفض التواجد العسكري الأمريكي في أوروبا سيسهم في تركيز الموارد على تهديدات أخرى، خاصة من جانب الصين، التي تعتبرها الولايات المتحدة التحدي الاستراتيجي الأكبر في المستقبل القريب.

ولكن من ناحية أخرى، قد يؤثر هذا التوجه سلبًا على الأمن الأوروبي في ظل تهديدات مستمرة من روسيا، التي قد ترى في تقليص الوجود العسكري الأمريكي فرصة لتعزيز نفوذها.

وتسعى الإدارة الأمريكية إلى تحقيق التوازن بين تحقيق أهدافها الجيوسياسية الجديدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وبين الحفاظ على استقرار الأمن الأوروبي الذي يُعد أساسيًا للأمن الأمريكي.

في هذا السياق، تبرز مسألة إعادة تقييم أنواع القوات التي يمكن تقليصها، مع الإبقاء على القدرات التي يمكن أن تساهم في الردع الاستراتيجي في أوروبا.

مع ذلك، يبقى السؤال الأهم: هل تستطيع واشنطن تنفيذ هذه التعديلات دون أن تؤثر بشكل كبير على التحالفات الحيوية في القارة، خاصة في ظل التوترات المتصاعدة في أوكرانيا؟

التحديات الجيوسياسية 

تأتي الخطوات الأمريكية لتقليص القوات في أوروبا في وقت تعزز فيه الصين نفوذها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

ويعد هذا التوجه جزءًا من استراتيجية شاملة للتركيز على تهديدات شرق آسيا، وبالأخص مسألة تايوان، التي تعتبرها الولايات المتحدة نقطة حاسمة في أمنها القومي.

تترجم هذه السياسات إلى إعادة توزيع القوات الأمريكية بين أوروبا وآسيا، مما قد يساهم في تعزيز قدرة الولايات المتحدة على الرد على أي تهديد صيني محتمل.

الأمن الأوروبي والعالمي

ورغم أن تقليص التواجد العسكري الأمريكي في أوروبا قد يكون له فوائده في تعزيز قدرة واشنطن على مواجهة تهديدات أخرى، إلا أن هذه الخطوة لا تخلو من المخاطر.

ففي ظل التصعيد الروسي في أوكرانيا، يعزز الوجود العسكري الأمريكي في القارة الأوروبية من قدرة الناتو على الردع والاحتواء.

ومن شأن أي تقليص مفاجئ في عدد القوات الأمريكية أن يضعف هذا الردع، ما قد يُشجع روسيا على اتخاذ خطوات أكثر عدوانية في سياستها تجاه جيرانها الأوروبيين، بحسب التحليل.

فضلاً عن ذلك، فإن التخفيضات التي يمكن أن تشمل قدرات الدفاع الجوي البحري والطائرات المتطورة المتمركزة في أوروبا قد تُثير القلق في العواصم الأوروبية، التي قد تعتبر هذه الخطوة مؤشرًا على تراجع الالتزام الأمريكي تجاه أمنها.

في الوقت ذاته، يمكن أن تُرى هذه التغييرات على أنها خطوة نحو تعزيز استقلالية الاتحاد الأوروبي في مجال الدفاع، وهو ما قد يثير مخاوف من تقسيم التحالفات الغربية ويزيد من حدة الخلافات داخل الناتو.

خيارات لإعادة التوازن

وتسعى الإدارة الأمريكية إلى تنفيذ هذه التعديلات بحذر، محققة توازنًا بين أمنها القومي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وضمان استقرار أوروبا.

ومن أبرز الخيارات التي قد يتم تبنيها هي تقليص القوات الأمريكية المنتشرة بشكل دوري في أوروبا، والتي تم إرسالها منذ عام 2014 في إطار عمليات الردع ضد روسيا.

هذه القوات، التي يتم نشرها عادة في دول مثل بولندا وبلغاريا ودول البلطيق، يمكن أن تُسحب بسرعة إذا كان الهدف هو تقليص التواجد العسكري الأمريكي دون المساس بالأمن الأوروبي بشكل كبير.

وإذا كان الهدف من المراجعة هو مواجهة التهديدات الصينية، يمكن للولايات المتحدة التفكير في نقل بعض قدراتها العسكرية إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وتشمل بعض هذه القدرات: الدفاع الجوي البحري مثل السفن الحربية المنتشرة في إسبانيا أو وحدات الدفاع الجوي مثل صواريخ باتريوت في ألمانيا.

الطائرات المضادة للغواصات مثل «بي 8- بوسيدون» المتمركزة في إيطاليا، والطائرات المقاتلة مثل «إف 35»، وطائرات «بي 1» المنتشرة في المملكة المتحدة، والقدرات اللوجستية مثل الطائرات «سي 130» في ألمانيا.

ومع ذلك، تظل هذه الاستراتيجية محفوفة بالمخاطر بسبب التهديدات المستمرة على حدود الناتو، خاصة من روسيا.

التحديات اللوجستية والسياسية

ومع أن تنفيذ هذه التعديلات قد يبدو منطقيًا على الورق، فإن عملية تقليص القوات الأمريكية في أوروبا لا تخلو من تحديات لوجستية وسياسية كبيرة.

فإغلاق المنشآت العسكرية الأمريكية أو تقليص العمليات العسكرية في دول مثل ألمانيا وإيطاليا يتطلب سنوات من المفاوضات مع الحكومات المضيفة.

كما أن تسريح بعض القوات قد يترتب عليه تحديات اجتماعية، مثل تغيير مكان إقامة عائلات الجنود، وهو أمر حساس للغاية بالنسبة للجنود وعائلاتهم.

تقييم الخيارات

وبينما يواصل البيت الأبيض المضي قدمًا في استراتيجيته لتقليص التواجد العسكري الأمريكي في أوروبا، يتعين عليه النظر في العواقب المحتملة لهذا القرار على الأمن العالمي.

فالاستقرار في أوروبا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأمن القومي الأمريكي، وأي تقليص مفاجئ في القوات قد يؤدي إلى تأثيرات غير مرغوب فيها.

لذا، من الضروري أن توازن الولايات المتحدة بين أهدافها الجيوسياسية الجديدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وأهمية الحفاظ على تحالفاتها العسكرية في أوروبا، بحسب التحليل.

aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA== جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى