تقنية

رسائل فرعونية مشفّرة على مسلّة «الكونكورد» تكشف أسرارا مدفونة منذ قرنين (خاص)


في قلب العاصمة الفرنسية باريس، وتحديدًا في ساحة الكونكورد الشهيرة، تقف مسلّة فرعونية شامخة منذ ما يقرب من مئتي عام، قادمة من معبد الأقصر في مصر.

ورغم أنها ظلت طوال هذا الوقت قطعة أثرية تحظى بإعجاب الزوار، فإن أسرارًا خفية بدأت تُكشف عنها مؤخرًا، بفضل أعمال الترميم التي جرت استعدادًا لدورة الألعاب الأولمبية باريس 2024.

الباحث الفرنسي في علم المصريات، جان-غيوم أوليت-بيليتييه، كشف مؤخرًا عن رسائل هيروغليفية مشفّرة تضمنتها المسلة، وقال لـ”العين الإخبارية” إنها لم تكن موجهة لعامة الناس، بل للنخبة الحاكمة في مصر القديمة، بل وربما للآلهة أنفسهم، حسب ما نقلته صحيفة لوفيغارو الفرنسية.

بداية الاكتشاف خلال جائحة كورونا

يعود الفضل في بدء هذا الكشف إلى فترة الإغلاق الصحي بسبب جائحة كوفيد-19، حين بدأ أوليت-بيليتييه يتمعن في تفاصيل المسلة خلال نزهاته اليومية. ولاحظ الباحث وجود رموز هيروغليفية غير مألوفة، بدا بعضها كأخطاء للوهلة الأولى، لكنها اتضح لاحقًا أنها تخفي رسائل ذات طابع ديني وسياسي.

صعود إلى القمة واكتشاف نادر

في عام 2021، وخلال عمليات الترميم، أتيحت لأوليت-بيليتييه فرصة فريدة لصعود المسلّة، وهو أمر لم يحدث منذ تثبيتها في موقعها عام 1836. وهناك، في قمة المسلة، داخل إحدى التيجان الملكية، عثر على نقش غير متوقع يتضمّن “قرون ثور” – رمز نادر في هذا السياق. وبعد تحليل الرموز، تبين أنها تشكل عبارة: “هدّئوا القوة الحيوية للإله آمون”، في رسالة لا يمكن رؤيتها إلا من زاوية محددة، كانت موجهة خصيصًا للآلهة داخل معبد آمون.

الاكتشافات لم تتوقف عند هذا الحد. فقد توصّل الباحث، بعد أربعة أعوام من الدراسة، إلى فك شيفرة سبع رسائل موزعة على جوانب مختلفة من المسلة.

إحدى الرسائل، على الجانب الذي كان يطل على نهر النيل، جاءت على لسان الفرعون رمسيس الثاني، وتُظهره باعتباره مختارًا من الآلهة، إلهًا حيًا لا يجوز التشكيك في شرعيته.

وقال أوليت-بيليتييه: “من هذا المنظور، كانت الرسالة موجهة للنخبة السياسية والدينية التي كانت تمرّ عبر النيل، تفيد بأن الفرعون ليس مجرد حاكم بل كائن إلهي لا يُمكن الطعن في سلطته، وهو ما يجعل من هذه النقوش وسيلة دعائية قوية”.

ويصف الباحث النصوص الهيروغليفية بأنها ليست مجرد رموز تصويرية، بل نظام لغوي معقّد يمكن قراءته وفهمه بطرق مختلفة، بحسب موقع القارئ وخلفيته الاجتماعية والدينية. فلكل طبقة في المجتمع تفسيرها الخاص للرسائل، ما يجعل هذه النقوش وثائق سياسية مشفّرة بامتياز.

وهكذا، تحولت المسلّة الفرعونية في ساحة الكونكورد من مجرد أثر تاريخي إلى وثيقة دينية وسياسية تكشف عن أدوات السيطرة الناعمة التي استخدمها الفراعنة، ليس فقط لإبهار العامة، بل لبسط سلطتهم على أعلى مستويات النخبة.

aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA== جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى