باريس تمسك بخيط النفوذ الأخير في الغابون.. «فرانسا فريك» طوق النجاة؟

بإعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الغابون، طوى البلد الأفريقي صفحة آل بونغو التي امتدت لأكثر من نصف قرن، فاتحا ذراعيه أمام مرحلة انتقالية «مُعقدة» بقيادة الجنرال بريس أوليغي نغيما.
صفحة لم تكن فرنسا بعيدة عنها، بل كانت في العمق منها، لكن وفق علاقة جديدة بلا هيمنة، أو ما يعرف بـ«فرانسا فريك» المعدّلة، والتي تقوم على شراكة استراتيجية دون وصاية مباشرة، بحسب محللين فرنسيين، استطلعت «العين الإخبارية» آراءهم.
علاقة كانت بمثابة «الملاذ الأخير» لفرنسا الساعية لتثبيت معقل جيوسياسي في قارة تتغير معطياتها بسرعة، مما دفع باريس إلى الدفع بثقلها لدعم نغيما، عبر توليفة من الدعم العسكري المحدود والتنسيق السياسي الهادئ، لإنقاذ ما تبقى من حضورها، ومنح النظام الجديد غطاء دوليًا يحصنه من الانزلاق في فوضى ما بعد الانقلابات.
فهل تنجح باريس في مساعيها؟
يقول باتريس بوشيه، الباحث في «معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية» (IRIS) لـ«العين الإخبارية»، إن «فرنسا لم تجد بديلاً صلباً حتى الآن في إفريقيا الوسطى سوى الغابون».
وأوضح بوشيه، أنه «مع تمسك نغيما بالعلاقات التاريخية، تسعى باريس إلى توظيف هذا التقارب كنموذج لعلاقة جديدة بلا هيمنة، لكنها ذات مصالح استراتيجية مشتركة، خصوصاً في ظل الانسحاب التدريجي من بلدان الساحل».
واعتبر أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الغابون لم تكن مجرد اقتراع عادي، بل مثلت لحظة فاصلة طُويت معها صفحة آل بونغو التي امتدت لأكثر من نصف قرن، وفتحت الباب أمام مرحلة انتقالية معقدة بقيادة الجنرال بريس أوليغي نغيما.
وعلى عكس علاقات فرنسا المهتزة مع دول الساحل، تبدو العلاقة مع الغابون أكثر رسوخاً. ففي مايو/أيار 2024، زار نغيما باريس بشكل رسمي، بعد أقل من عام على انقلابه، ثم دُعي مجدداً في أغسطس/آب الماضي للمشاركة في إحياء ذكرى إنزال بروفانس، ما يعكس دفئاً غير مألوف في علاقات باريس مع قائد انتقالي.
دفء كان لفرنسا بمثابة فرصة نادرة لـ«إعادة صياغة فرانسافريك في قالب جديد: التعاون العسكري المحدود، والدعم المؤسسي، مقابل النفوذ الجيوسياسي»، بحسب فرانك بورجيه، المحلل السياسي بمركز “IFRI” للشؤون الأفريقية.
وأوضح بورجيه، في حديث لـ«العين الإخبارية»، أنه بدلاً من إغلاق القاعدة العسكرية الفرنسية في ليبرفيل، تم تقليص عديد القوات إلى نحو 200 جندي، يركزون على تدريب قوات الدفاع الغابونية، في مسعى من باريس إلى «تغيير الوظيفة لا الموقع، وإبقاء موطئ القدم الذي قد يصبح حجر الزاوية في سياستها الأفريقية الجديدة».
حكم التحدي والفرصة
في الأيام المقبلة، يؤدي أوليغي نغيما اليمين الدستورية، مستحضراً لحظة 2009 حين أطلق علي بونغو خطة «الغابون الطموحة 2025». لكن مصير تلك الخطة معروف. الآن، ومع اقتصاد منهك ومديونية مرتفعة، يقف نغيما أمام معادلة معقدة: الوفاء بوعود البناء، وإثبات أنه ليس مجرد اسم آخر في سجل الانقلابات الأفريقية.
وبحسب مراقبين، فإن السنوات السبع المقبلة ستكون حاسمة، فـ«إما أن يدخل نغيما التاريخ كمن أعاد صياغة الجمهورية الغابونية، أو ينتهي كحلقة جديدة في سلسلة الانقلابات التي شهدتها القارة خلال العقد الأخير».
واستفاد أوليغي نغيما، الذي خدم طويلاً تحت لواء عائلة بونغو، من تحول سياسي قدم فيه نفسه كرجل جديد يحمل مشروع بناء وطني. وعلى الرغم من انتقادات المعارضة بشأن «حملة انتخابية غير متكافئة»، وتوظيفه موارد الدولة لمصلحته، إلا أن حجم المشاركة (نحو 87%) والنصر الكاسح يعكسان التقاء شعبياً نادراً.
ومع إعلان نتائج هذه الانتخابات، طويت حقبة بدأت في 1967 مع عمر بونغو، وتواصلت مع نجله علي حتى رحيله عن السلطة عام 2023. لكن التحديات الموروثة لا تزال قائمة: اقتصاد يعتمد على نخبة ضيقة، بنية تحتية مهترئة، إدارة متضخمة، وانقسامات إثنية عميقة.
تحديات طرحت تساؤلات حول مدى نجاح نغيما في سبرها، وما إذا كان بمقدوره إرساء مؤسسات قوية وإصلاح الدولة والاقتصاد و«إعادة بناء الذهنيات»، على حد تعبيره.
aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA== جزيرة ام اند امز