مشهد 2025 بين سباق التقنيّات والتحوّل الدولي ‹ جريدة الوطن

شهد عام 2025 تصاعدًا هائلًا في الاستثمارات العالمية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، ما جعله عام التحوّل الفعليّ من النظريات التجريبية إلى البنى التحتية العملاقة. من واشنطن إلى بكين، ومن أبوظبي إلى باريس، تتسابق الحكومات والشركات الكبرى على ضخّ الموارد في هذه التكنولوجيا التي باتت تُصنّف كمحرك رئيسيّ لإعادة تشكيل الاقتصاد العالمي وموازين القوى التقنية.
في الولايات المتحدة، قادت مبادرة “Stargate” – وهي شراكة بين OpenAI، Oracle، SoftBank، وMGX – موجةً غير مسبوقة من الاستثمارات، معلنةً عن خطة لضخّ 500 مليار دولار لتطوير بنية تحتيّة قادرة على احتضان ما يُعرف بالذكاء الاصطناعي الفائق. وتوازيًا، أعلنت شركة CoreWeave التكنولوجية عن استثمار قدره 6 مليارات دولار في مركز بيانات جديد بولاية بنسلفانيا، ضمن خطة أشمل تجاوزت 90 مليار دولار تشمل إنشاء مراكز ذكاء اصطناعي ومحطّات طاقة داعمة. كما أعلنت شركة Oracle عن استثمار 3 مليارات دولار لتوسيع البنية التحتيّة السحابية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي في ألمانيا وهولندا، في مؤشّر على التحوّل الأوروبي نحو توطين التكنولوجيا وتقليل التبعية الخارجية.
وفي الصين، أطلقت الحكومة ما يُعرف بالدفعة الثالثة من “الصندوق الوطني لتطوير أشباه الموصلات”، برأسمال تجاوز 47 مليار دولار، في مسعًى لتعزيز اكتفائها الذاتي في تقنيّات الشرائح الدقيقة التي تمثل العمود الفقري للذكاء الاصطناعي. كما شهدت الأسواق الصينية نموًّا لافتًا في نماذج الذكاء الاصطناعي مثل “ديب سيك”، وسط دعوات رسمية للحدّ من الفوضى الاستثمارية التي قد تعيد للأذهان أزمات فقاعة الإنترنت والعملات الرقمية. وفي يوليو 2025، وجّه الرئيس الصيني شي جين بينغ تحذيرًا من المخاطر المحتملة للاستثمار العشوائي، داعيًا إلى تأطير قانوني وأخلاقي دقيق ينظّم تدفقات الأموال في هذا القطاع سريع النمو.
على مستوى رأس المال الاستثماري، بيّنت بيانات وكالة “رويترز” أن تمويل الشركات الناشئة في الولايات المتحدة بلغ 162.8 مليار دولار في النصف الأول من 2025، بزيادة بلغت 75% عن العام السابق، فيما استحوذ الذكاء الاصطناعي وحده على نحو ثلثي هذه الاستثمارات. وأكدت تقارير “بلومبيرغ” أن شركة Meta تجري محادثات لتمويل يتجاوز 10 مليارات دولار لمنصة Scale AI، المتخصّصة في رسم البيانات وتدريب النماذج.
الشرق الأوسط بدوره برز كلاعب فاعل، خاصّة من خلال استثمارات دولة الإمارات والسعودية في الذكاء الاصطناعي حيث تواصل دولة الإمارات تعزيز مكانتها كمركز إقليمي للذكاء الاصطناعي؛ من خلال استثمارات استراتيجية في البنية التحتية والتدريب وتطوير السياسات. تشمل الجهود إنشاء مراكز بيانات ضخمة مثل ستارغيت أبوظبي ، وتمويل الشركات الناشئة، وإطلاق مبادرات مثل “جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي” لتعزيز رأس المال البشري. وتعدّ الدولة من أوائل الحكومات عالميًّا في تعيين وزير للذكاء الاصطناعي، ما يعكس التزامًا طويل الأمد بالتحوّل الرقمي المستدام.
رغم الطفرة الاستثمارية، تزايدت الدعوات الدولية لاعتماد نهج حوكمة عالمي يوازن بين الطموح التكنولوجي والمخاطر الاجتماعية والاقتصادية. وقد عبّرت عن ذلك قمّة حوكمة التقنيات الناشئة التي عقدت في أبوظبي في 2025 .في ظلّ عدم وجود تشريعات دولية موحّدة، تتزايد احتمالات التضخّم في التقييمات المالية، وتفاقم الفجوة الرقمية بين الشمال والجنوب.
إن عام 2025 يمثّل لحظة فارقة في تاريخ الذكاء الاصطناعي، ليس فقط على مستوى التقنية، بل كمنعطف في علاقات القوّة والاقتصاد والحوكمة. وبينما يُنظَر إلى الذكاء الاصطناعي كقاطرة للابتكار، يبقى التحدّي الأكبر في تحويل هذا السباق المالي إلى مشروع عالمي مسؤول يخدم البشرية لا أن يقودها نحو فجوة أخلاقيّة جديدة.