حكم القرن المناخي.. محكمة العدل الدولية ترفض حجج الملوثين الكبار

اعتبرت محكمة العدل الدولية، أعلى هيئة قضائية في الأمم المتحدة الأربعاء أن تغير المناخ “يُشكل تهديدا داهما ووجوديا”، في أول رأي استشاري لها بشأن الالتزامات القانونية للدول في ما يتعلق بالحدّ من التغير المناخي.
وقال رئيس المحكمة القاضي الياباني يوجي إيواساوا “خلصت المحكمة إلى أن تداعيات عواقب تغير المناخ وخيمة وعميقة. فهي تلحق ضررا بالنظم البيئية الطبيعية والسكان على السواء. وتُبرز هذه العواقب التهديد الداهم والوجودي الذي يُمثله التغير المناخي”.
وأكد كذلك أن للدول “واجبات صارمة لحماية النظم المناخية”.
وأوضح “في ما يتعلق بواجب تجنب إلحاق أضرار جسيمة بالبيئة، تعتبر المحكمة أنه ينطبق أيضا على النظام المناخي الذي هو جزء لا يتجزأ وعنصر أساسي في البيئة ويجب حمايته للأجيال الراهنة والمقبلة”.
ورأت المحكمة أيضا ان تداعيات الاحترار المناخي سيكون لها عواقب على حقوق الإنسان كذلك. وشدد إيواساوا على أنها “قد تضعف كثيرا التمتع ببعض حقوق الإنسان” بما يشمل “الحق في الحياة”.
وأتى هذا الكلام خلال تلاوته مقتطفات لتقرير خبراء يقع في عدة مئات من الصفحات لقضية هي الأهم على الإطلاق التي تنظر فيها محكمة العدل الدولية ومقرها في لاهاي.
ووفقا لتقرير نشره موقع “إيرث دوت أورج” فقد كان أمام المحكمة المؤلفة من 15 قاضيًا، مسألتان جوهريتان: ما هي التزامات الدول بموجب القانون الدولي في مواجهة تغيّر المناخ لصالح الأجيال الحالية والمستقبلية؟، وما هي العواقب القانونية على الدول التي تُخفق في الوفاء بهذه الالتزامات؟
وقال القاضي إيواساوا إن هذه الأسئلة “تمثل أكثر من مجرد إشكالية قانونية؛ حيث إنها تتعلق بمشكلة وجودية ذات أبعاد كوكبية تهدد جميع أشكال الحياة وصحة كوكبنا ذاته”.
ورفضت المحكمة بشكل واضح حجة “الـLex Specialis” التي أثارتها العديد من الدول المتقدمة، والتي تفيد بأن الاتفاقيات الخاصة بالمناخ – مثل اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) واتفاق باريس – يجب اعتبارها المصدر الرئيسي أو الوحيد لتحديد التزامات الدول بشأن تغيّر المناخ.
وأشار سيباستيان دوك، كبير المحامين في برنامج المناخ والطاقة بمركز القانون الدولي للبيئة، إلى أن “المُلوّثين الكبار” استخدموا مرارًا هذه الحجة للادعاء بأن اتفاقيات المناخ تحميهم من المساءلة عن الأضرار المناخية.
وفيما يخص اتفاق باريس، أكدت المحكمة أن هدف الحد من الاحترار إلى 1.5 درجة مئوية هو الحد الوحيد المعترف به، وأن الاتفاق يفرض التزامات صارمة على الدول من أجل حماية المناخ ومكونات أخرى من البيئة من انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن النشاط البشري.
كما رفضت المحكمة الحجة التي طرحها الملوثون الكبار بأن الخطط الوطنية للمناخ، المعروفة باسم المساهمات المحددة وطنيًا (NDCs)، اختيارية. بل أكدت المحكمة أن هذه المساهمات – والتي تُلزم الدول بتحديثها كل خمس سنوات – يجب أن تكون قادرة، بشكل جماعي، على تحقيق أهداف الاتفاق.
قال القاضي إيواساوا: “خلصت المحكمة إلى أن المساهمات المحددة وطنيًا، بدلاً من أن تكون اختيارية بالكامل كما ادعى بعض المشاركين، يجب أن تستوفي معايير معينة بموجب اتفاق باريس. فجميع المساهمات، عند جمعها معًا، يجب أن تكون قادرة على تحقيق أهداف الاتفاق كما هو منصوص عليه في المادة 2.”
وأشارت المحكمة أيضًا إلى أن الالتزامات بموجب القانون الدولي العرفي تظل سارية على الدول غير المنضوية تحت الاتفاقيات المناخية الخاصة بالأمم المتحدة – في إشارة ضمنية إلى الولايات المتحدة، التي انسحبت من اتفاق باريس في وقت سابق.
وفيما يتعلق بحقوق الإنسان، أكدت المحكمة أن الحق في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة هو حق أساسي للتمتع بكافة حقوق الإنسان – وهو مطلب طالما دعت إليه الدول النامية.
وقال القاضي إيواساوا: “البيئة هي أساس الحياة البشرية، وتعتمد عليها صحة ورفاه الأجيال الحالية والمستقبلية. وحماية البيئة تُعد شرطًا أساسيًا للتمتع بحقوق الإنسان، والتي يُعد تعزيزها أحد أهداف الأمم المتحدة كما ورد في المادة 1، الفقرة 3 من الميثاق”، مُعيدًا التأكيد على حق عالمي تم الاعتراف به لأول مرة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2022.
وكلّفت الأمم المتحدة قضاة محكمة العدل الدولية الخمسة عشر بالإجابة على سؤالين.
أولا: ما هي الواجبات التي تقع على الدول بموجب القانون الدولي لحماية الأرض من انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة بشكل رئيسي عن استهلاك النفط والفحم والغاز، لصالح الأجيال الحالية والمقبلة؟
ثانيا: ما هي التبعات القانونية على الدول التي تسببت انبعاثاتها في أضرار بيئية، لا سيما تجاه الدول الجزرية الضعيفة والمنخفضة الارتفاع؟
يلجأ عدد من الدول ومدافعون عن البيئة المحبطون من بطء عمليات التفاوض التقليدية، بشكل متزايد إلى المحاكم الوطنية والدولية، لإجبار الشركات والدول على التحرك، وقد صدرت بعض الأحكام لصالحهم.
وساهمت مؤتمرات الأطراف السنوية في تغيير التوقعات المرتبطة بالاحترار، لكنها لا تزال بعيدة جدا عن تحقيق الهدف الذي حدده اتفاق باريس للمناخ في العام 2015 والمتمثل بحصر الاحترار عند درجتين مئويتين مقارنة بعصر ما قبل الصناعة.
ووضع النقاش الدول النامية الصغيرة في مواجهة الاقتصادات المتقدمة.
وحذّرت الدول الملوثة الكبرى، بما فيها الولايات المتحدة والهند، المحكمة ودافعت عن العملية السياسية المتمثلة بمؤتمر الأطراف، بموجب الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن التغير المناخي رغم أوجه القصور فيها، فضلا عن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وتطالب الدول الصغيرة بتعويضات من الدول الملوثة التاريخية، وهو مطلب لا تقبله معظم الدول الغنية.
وتطالب هذه الدول أيضا بجدول زمني للتخلي عن الوقود الأحفوري، والتعويض المالي عند الاقتضاء، والاعتراف بالأخطاء الماضية.
لكن الآراء الاستشارية التي تصدرها محكمة العدل الدولية ليست ملزمة، ويؤكد المعارضون أنّ كبار الملوثين سيتجاهلونها.
إلا أن القانون الدولي مبني على آراء مماثلة، على ما يقول أندرو رين من القسم القانوني لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لوكالة فرانس برس.
ويضيف “توضح هذه الآراء طريقة تطبيق القانون الدولي على أزمة المناخ، ما يؤثر على المحاكم الوطنية، والعمليات التشريعية، والنقاشات العامة”.
aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA== جزيرة ام اند امز