اتفاق ترامب واليابان.. تحول في ميزان التجارة العالمية وقواعد اللعبة في آسيا

وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاتفاق التجاري الجديد بين الولايات المتحدة واليابان بأنه “أكبر صفقة تجارية في التاريخ”.
وبينما قد يكون هذا الادعاء طموحًا، إلا أنه يُعد بالتأكيد من أبرز التطورات التجارية منذ أن فرض ترامب ما أسماه “تعريفات يوم التحرير” في أبريل/نيسان، والتي أربكت الأسواق العالمية وسببت اضطرابًا في سلاسل التوريد حول العالم.
ووفقا لتقرير لشبكة بي بي سي، فإنه بعد شهور من المفاوضات، أعلن رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا أن الاتفاق سيفيد ليس فقط اليابان والولايات المتحدة، بل سيساهم أيضًا في دعم الاقتصاد العالمي.
وتُعد اليابان رابع أكبر اقتصاد في العالم، مما يجعل لها دورًا حيويًا في التجارة والنمو العالمي. فهي تستورد كميات كبيرة من الطاقة والغذاء، وتُصدّر منتجات صناعية رئيسية مثل الإلكترونيات والآلات والمركبات. والولايات المتحدة هي أكبر سوق لصادرات اليابان.
وكانت التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب قد أثارت مخاوف بين خبراء الاقتصاد، حيث حذر البعض من احتمال انكماش الاقتصاد الياباني بنسبة تصل إلى نقطة مئوية واحدة، وهو ما قد يؤدي إلى دخول البلاد في ركود اقتصادي. إلا أن هذا الاتفاق خفف من تلك المخاوف من خلال تخفيض التعريفات وتوفير قدر من الاستقرار، ما يتيح للشركات اليابانية وضع خطط استثمارية وتوسعية بثقة أكبر.
تأثير فوري
وقد أظهر الإعلان عن الاتفاق تأثيرًا اقتصاديًا فوريًا، حيث ارتفعت قيمة الين الياباني مقابل الدولار الأمريكي، مما زاد من القوة الشرائية لليابان، وسهّل على الشركات شراء المواد الخام اللازمة للتصنيع والتوسع.
ويُعتبر قطاع السيارات من أبرز المستفيدين من هذا الاتفاق. فالشركات اليابانية مثل تويوتا وهوندا ونيسان كانت تدفع رسومًا جمركية بنسبة 27.5% عند تصدير سياراتها إلى الولايات المتحدة، أما الآن فقد تم خفض هذه النسبة إلى 15%، ما يعزز قدرة السيارات اليابانية على المنافسة، خاصة أمام نظيراتها من الصين. ومع ذلك، أعرب صانعو السيارات الأمريكيون عن عدم رضاهم، حيث لا يزالون يواجهون تعريفات بنسبة 25% على وارداتهم من مصانعهم في كندا والمكسيك، وهو ما يضعهم في موقف غير متكافئ.
وفي مقابل خفض التعريفات، تعهدت اليابان باستثمار 550 مليار دولار في الولايات المتحدة. وقال إيشيبا إن هذه الاستثمارات ستُستخدم في بناء سلاسل توريد مرنة في قطاعات حيوية مثل الصناعات الدوائية وأشباه الموصلات. وتُعد اليابان بالفعل من أكبر المستثمرين الأجانب في أمريكا، ومن المتوقع أن تخلق هذه الاستثمارات وظائف وتدعم الابتكار وتعزز البنية التحتية في القطاعات الحيوية.
ويتضمن الاتفاق أيضًا زيادة مشتريات اليابان من المنتجات الزراعية الأمريكية، بما في ذلك الأرز، مما قد يساعد في مواجهة نقص الأرز في السوق الياباني، رغم المخاوف المحلية من تأثر المزارعين اليابانيين. وكانت هناك تقارير تفيد بأن الولايات المتحدة طالبت اليابان بزيادة إنفاقها الدفاعي ضمن الصفقة. إلا أن المفاوض التجاري الياباني، ريوسي أكازاوا، نفى ذلك وأكد أن الاتفاق لا يشمل أي بنود دفاعية. كما أوضح أن التعريفات الأمريكية على الصلب والألمنيوم الياباني ستبقى عند 50%، وهو ما يُعد فوزًا جزئيًا لليابان التي تصدّر مركبات أكثر مما تصدّر الصلب والألمنيوم.
ترقب في آسيا
ويُحتمل أن يمتد تأثير الاتفاق إلى باقي دول آسيا. فقد أصبح معدل الـ15% تعريفًا مرجعيًا تسعى دول مثل كوريا الجنوبية وتايوان للحصول عليه في مفاوضاتها الجارية مع واشنطن. وصرّح وزير الصناعة الكوري الجنوبي بأنه سيدرس تفاصيل الاتفاق الياباني الأمريكي بعناية أثناء زيارته للعاصمة الأمريكية. وتتنافس كوريا الجنوبية واليابان في قطاعات رئيسية مثل السيارات والصلب.
وقد أبرمت دول مثل فيتنام وإندونيسيا والفلبين بالفعل اتفاقات تجارية مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن اقتصادات أصغر مثل كمبوديا ولاوس وسريلانكا قد تجد صعوبة في التفاوض على صفقات مماثلة بسبب ضعف قدراتها التفاوضية.
وتسعى الولايات المتحدة إلى إبرام أكبر عدد ممكن من الاتفاقيات التجارية قبل الموعد النهائي الذي حددته لنفسها في أغسطس/آب. لكن مع تزايد القلق الدولي بشأن مصداقية السياسات التجارية الأمريكية، بدأت بعض الدول بالبحث عن شركاء بديلين أكثر استقرارًا. ففي نفس يوم الإعلان عن الاتفاق مع واشنطن، أعلنت اليابان والاتحاد الأوروبي عن عزمهما التعاون الوثيق لمواجهة “الإكراه الاقتصادي” والممارسات التجارية غير العادلة، حسبما صرحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين.
وقالت فون دير لاين: “نحن نؤمن بالمنافسة العالمية ويجب أن تكون في مصلحة الجميع”.
آداة فعالة
من ناحية أخرى، قد يكون وصف ترامب للاتفاق بأنه “أكبر صفقة تجارية في التاريخ” مبالغة، لكن لا شك أن الاتفاق بين الولايات المتحدة واليابان يمثل لحظة محورية في مشهد التجارة العالمية، ويعزز العلاقات الاقتصادية بين قوتين عظيمتين، ويضع معايير جديدة لباقي الدول في المنطقة.
وفي تقرير منفصل ل”بي بي سي”، فإن اهتمام ترامب بالاتفاق مع اليابان يمكن ان يعزو سببه إلى أن ترامب يعلن إن نهجه المتشدد بدأ يُحقق نتائج ملموسة.
منذ البداية، كانت الولايات المتحدة تتحدث بإيجابية عن احتمالات إبرام اتفاق مع اليابان، ولكن رغم تعدد الوفود، ظل الاتفاق غائبًا بشكل غريب — حتى الآن.
وبمعناه الضيق، يُعد هذا نجاحًا لنهج ترامب، خصوصًا إذا أصبحت اليابان “الدومينو” الأول الذي يدفع بقية العالم إلى الامتثال.
ووفقا للتقرير، تحظى اليابان الآن بأفضل صفقة — أو بالأحرى، أقل الصفات سوءًا — بين جميع الدول التي لديها فائض تجاري كبير مع الولايات المتحدة.
aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA== جزيرة ام اند امز