الضرائب تتعثر أمام نفوذ الشركات العملاقة وأثرياء أمريكا في عهد ترامب

يعتبر التعاون الدولي في مواجهة التجنّب الضريبي، أحد ضحايا هجوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على التعدّدية.
يأتي ذلك في ظل الانسحاب الأمريكي من الاتفاق بشأن فرض ضرائب على الشركات متعددة الجنسية واتخاذ إجراءات انتقامية من الدول التي تفرض ضرائب على شركات التكنولوجيا العملاقة.
وفي خضمّ النزاع التجاري، أعادت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين في العاشر من أبريل/نيسان التلويح بفرض ضرائب على “إيرادات إعلانات الخدمات الرقمية”، إذا لم تنجح المفاوضات الرامية إلى خفض الرسوم الجمركية.
ضرائب على الخدمات الرقمية
تُتهم شركات التكنولوجيا الرقمية العملاقة، غوغل وأبل وفيسبوك وأمازون ومايكروسوفت، باستغلال الطبيعة الافتراضية غير الملموسة لأعمالها لتجنّب دفع الضرائب.
وانخرطت فرنسا، وتلتها سبع دول أخرى، في مواجهة مع هذه المجموعات التي طالبتها بالمساهمة عبر دفع ضرائب في العام 2019. وبذلك، حققت هذه الضريبة حوالى 780 مليون يورو للدولة الفرنسية في العام 2024، وفقا لوزارة المالية.
وفي مقابل ذلك، هددت إدارة ترامب منذ العام 2019 بفرض رسوم إضافية على الشمبانيا والأجبان الفرنسية.
وفي مذكرة نُشرت في 21 فبراير/شباط 2025، استنكر الرئيس الأميركي الضرائب التي تستهدف شركات التكنولوجيا الأمريكية التي صار مالكوها ورؤساؤها من حلفائه المقرّبين. وتعهد ترامب في المقابل “بفرض رسوم جمركية وأي تدابير أخرى ضرورية للتخفيف من الضرر الذي يلحق بالولايات المتحدة”.
على الإثر، ألغت الهند الضريبة الرقمية ابتداء من الأول من ابريل/نيسان وفقا لوكالة فرانس برس.
كذلك، تدرس لندن إلغاء الضريبة التي تفرضها في هذا المجال وتُدر على خزينتها 800 مليون جنيه استرليني سنويا. وقال وزير التجارة البريطاني جوناثان رينولدز إن “هذه الضريبة ليست شيئا ثابتا أو أمرا غير خاضع للنقاش”.
وتقول الحكومات التي طبّقت هذه الضرائب الأحادية الجانب إنّها مؤقتة بانتظار مآلات المفاوضات الدولية بشأن فرض ضرائب على الشركات متعددة الجنسية.
ضريبة الحد الأدنى
في نهاية العام 2021، شهد اتفاق تاريخي التزام حوالى 140 دولة بفرض المزيد من الضرائب على الشركات متعددة الجنسية.
وتمّ اعتماد رُكنَين في هذا المجال. يهدف الركن الأول إلى جعل الشركات متعددة الجنسية، وخصوصا في القطاع الرقمي، تدفع ضرائب للدول التي يوجد فيها عملاؤها. ويحدّد الركن الثاني حدا أدنى للضريبة من 15 في المئة من الأرباح.
بمجرّد عودته إلى السلطة، قام دونالد ترامب بسحب الولايات المتحدة من الاتفاق وهدّد بإجراءات انتقامية من الدول التي تطبّق الركن الأول على شركات أميركية.
وقال دانيال بون وهو مدير مؤسسة الضرائب (Taxation Foudation)، وهي مؤسسة بحثية أمريكية، لوكالة فرانس برس، إنّ “المفاوضات متوقّفة منذ بعض الوقت، كانت كذلك حتى في ظل إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن”.
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي الفرنسي الأمريكي غابرييل زوكمان لفرانس برس، أنّ “ردّ الاتحاد الأوروبي في الأسابيع المقبلة سيكون حاسما”، مضيفا “إذا استسلم الاتحاد الأوروبي والدول الأخرى وسمحت للشركات متعددة الجنسية الأمريكية بالتنصل من الضريبة، فإنّ ذلك سيعني للأسف نهاية هذه الاتفاقية المهمّة للغاية”.
تطبّق حوالى ستين دولة الركن الثاني من الاتفاقية، من بينها اليابان وكندا والبرازيل والمملكة المتحدة وسويسرا والاتحاد الأوروبي.
ضرائب على أصحاب المليارات
في العام 2024، أطلقت مجموعة العشرين برئاسة البرازيل مشروعا يهدف إلى فرض ضريبة دنيا بنسبة 2% على الأصول التي تتجاوز قيمتها مليار دولار كان يُرجح أن تنتج 200 إلى 250 مليار دولار سنويا. غير أنّ هذا المشروع لم ير النور خصوصا بسبب رفض الولايات المتحدة خلال عهد جو بايدن.
وبينما تعهّدت واشنطن في نوفمبر/تشرين الثاني بالتعاون في فرض المزيد من الضرائب على أصحاب المليارات، إلا أنّ المشروع تضعضع أمام الأولوية التي تمنحها إدارة ترامب لخفض الضرائب، وقربها من أصحاب المليارات.
وفضلا عن ذلك، أشار دانيال بون إلى أنّ الولايات المتحدة شديدة الحرص على “سيادتها الضريبية”، حتى وإن كان بعض الجمهوريين يؤيّدون فرض ضرائب أكبر على كبار الأثرياء الأميركيين.
وقال “إذا سألتم بعض أعضاء الكونغرس عن رأيهم باتفاق مجموعة العشرين، فإنّهم سيجيبون: لماذا تتدخّل مجموعة العشرين في فرض ضرائب على أصحاب المليارات؟ هذه مهمّتنا إذا أردنا القيام بذلك”.
ويوجد في الولايات المتحدة 30% من أصحاب المليارات في العالم وفقا لجملّة فوربس، تليها الصين والهند وألمانيا مجتمعة.
وخلال مؤتمر عُقد أخيرا في باريس، قال خبير الاقتصاد توماس بيكيتي “لا يمكننا أن ننتظر حتى تتوصل مجموعة العشرين إلى اتفاق، يجب أن تتحرّك الدول بشكل منفرد في أقرب وقت ممكن”.
وأضاف “يُظهر التاريخ أنّه بمجرّد أن تتبنّى حفنة من الدول القوية اصلاحا من هذا النوع، فإنّه يصبح القاعدة”.
aXA6IDE4NS4yNDQuMzYuMTM3IA== جزيرة ام اند امز